السفير مديرعام المنتدى
الجنس : عدد الرسائل : 2057 العمر : 53 تاريخ الميلاد : 02/01/1971 المهنة : جنسيتك : مصرى الاوسمة : المنتدى : تاريخ التسجيل : 06/02/2009
| موضوع: تأملات تربوية في سورة هود (3) الأربعاء 25 فبراير 2009, 3:30 am | |
| تأملات تربوية في سورة هود(3) الدكتور عثمان قدري مكانسي
- السلام سنة ، ورده واجب ، هذا ما كان من ضيوف إبراهيم عليه السلام حين دخلوا فسلموا ورد عليهم السلام ، فكان ما فعله سنة للمسلمين إلى يوم القيامة :" ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى ، قالوا سلاماً . قال : سلام " ومن السنة أيضاً أن من حياك بتحية كان عليك أن ترد عليه بأحسن منها ، فإن لم تفعل فبمثلها " وإذا حُييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها " .. فهل أجاب إبراهيم عليه السلام التحية بمثلها أو بأحسن منها؟ والجواب أنه ردها بأحسن منها ، فقد حيـَّوه بالجملة الفعلية التي تفيد الحدوث ، ورد عليهم بالجملة الاسمية التي تفيد الثبوت . والثبوت أقوى من الحدوث ، فكان رد النبي إبراهيم عليه السلام بأحسن من تحيتهم . - وتحية المسلمين " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما " صباح الخير ، أو أو مساؤه ، وما تلقفناه عن الغرب هذه الأيام من " هاي ، باي ، مورننج " فليس من تحية المسلمين ، لقد دخل عمرو بن وهب الجمحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له ولأصحابه " أنعموا صباحاً " - وكانت تحية أهل الجاهلية – فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد أكرمنا الله بتحية خيرٍ من تحيتك يا عمير ، تحية أهل الجنة " - ومن حسن الاستقبال : أ- أن تكرم الضيف بالطعام أو الفاكهة ، ب - وأن تقرب لهم الطعام أو الضيافة ، فقد رأينا أن إبراهيم عليه السلام بعد أن سلم عليه الملائكة – وهو لا يدري أنهم ملائكة قدم بين أيديهم لحماً مشوياً " فما لبث أن جاء بحجل حنيذ " وفي سورة الذاريات " فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين " وكلمة راغ توحي بأنه كان حريصاً على قـِراهم ، فلم يسألهم : أتأكلون فآتي بالطعام ، بل إن على صاحب البيت أن يأتي بالطعام دون أن يسألهم حتى لا يستحيوا فيجيبوا بالنفي . ج - كما أن على صاحب الدار أن يكون قراه طيباً وكثيراً " فالعجل مشوي سمين " وهذا من مكارم الأخلاق وآداب الضيافة ، وليست بواجبة عند عامة أهل العلم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : "الضيافة ثلاثة أيام ، وجائزته يوم وليلة ، فما كان وراء ذلك فهو صدقة " .والمقصود بالجائزة : الهبة والعطيّة ، وقال صلى الله عليه وسلم : " :: ومن كان يمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه " فـ" ليلة الضيف حق " كما قال النبي صلى الله عليه وسلم . د – ثم التلطف في الدعوة إلى الطعام ، فلم يقل لهم : " كلوا " إنما قال لهم بصيغة السؤال متلطفاً " ألا تأكلون ؟" هـ - ومن الإكرام أن يقدم الطعام للضيفان من صنع أهل البيت ما أمكن ، فالتكلف غير مرغوب - ومن جمال التعبير في الآية " فلما رأى أيديهم لا تصل إليه " أنهم لم يتحركوا ولم يهتموا بالطعام . وعملهم هذا في العرف الاجتماعي أنهم أعداء يستهينون بمن دخلوا عليه داره . ويخيف صاحب الدار أن عدوه يتحداه في عقر داره ، ويرفض الصلح ، وكأنه ما جاء إلا عن قوة ليفرض ما يريد " فنَكِرهم وأوجس منهم خيفة " وهنا يفصحون عن أنفسهم . فهم ملائكة الله جاءوه مبشرين بإسحاق نبياً من الصالحين وبحفيده من إسحاق يعقوب عليهم جميعاً الصلاة والسلام ، فيرتاح قلبه وتهدأ نفسه " قالوا : لا تخف ." ... " فبشرناه بإسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب " . وقد يمتنع الضيف عن قبول الضيافة إلا أن يطلب حاجة من ضائفه ، ويجيبه هذا إليها ، فيمد يده إلى قراه . وهذا معروف عند أهل البدو والأرياف . - من سمات المسلم اهتمامه بسلامة إخوانه ،وسيدنا إبراهيم قدوتنا وخير مثال على ذلك . فإنه حين علم أنهم سيهلكون قوم لوط – ولوط ابن أخيه - فزع أن يصيبه مكروه فبدأ يجادل الملائكة في أمر لوط عليه السلام : وَهَذِهِ الْمُجَادَلَة رَوَاهَا حُمَيْد بْن هلال عَنْ جُنـْدُب عَنْ حُذَيْفَة ; وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا : " إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْل هَذِهِ الْقَرْيَة " قَالَ لَهُـمْ : أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ فِيهَا خَمْسُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أتُهلكونهم ؟ قَالُوا : لا . قَالَ : فَأَرْبَعُونَ ؟ قَالُوا : لا . قَالَ : فثلاثون ؟ قَالُوا :لا . قَالَ : فَعِشْرُونَ ؟ قَالُوا : لا . قَالَ : فَإِنْ كَانَ فِيهَا عَشَرَة - أَوْ خَمْسَة " شَكَّ حُمَيْد " - قَالُوا : لا . وَقـيلَ إِنَّ إِبْرَاهِيم قَالَ : أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ فِيهَا رَجُل مُسْلِم أتـُهلكونها ؟ قَالُوا : لا . فَقَالَ إِبْرَاهِيم عِنْد ذَلِكَ : " إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَم بِمَنْ فِيهَا لـَنـُنـَجـّينـّه وَأَهْله إلا اِمْرَأَته كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ " الْعَنْكَبُوت : 32 . وهذا النبي لوط عليه السلام ينصح قومه بزواج الفتيات الطاهرات ويأمرهم بتقوى الله تعالى وعدم معصيته " قال : يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله " ويرشدهم إلى احترام الضيف وحفظ مروءته وعدم التعرض له بما يسيء له ولمن ضافه " ولا تُخزونِ في ضيفي ، أليس منكم رجل رشيد؟ " . - من سمات الفاسقين المنحرفين قومِ لوط أنهم كانوا : أ – سفهاء ، يهرعون حيث تقودهم شهواتهم ، فإنهم لما علموا بوجود شباب صِباح الوجوه أسرعوا إلى بيت لوط عليه السلام يريدون عمل الفحشاء بهم " وجاءه قومه يُهرعون إليه ..." . ب – منغمسين في الفحشاء مَردوا عليها ، ومن كان منقاداً لهواه غارقاً بفساده ضاع الحياء منه وجاهر بالمعصية " ومن قبلُ كانوا يعملون السيئات " ج – اختلـّتْ مفاهيمهم وفسدتْ أذواقهم ، فرأوا الخبيث طيباً والطيب خبيثاً " قالوا لقد علمت مالنا في بناتك من حق ، وإنك لتعلم ما نريد " بل زجروه في سورة الحجر وكأنه المخطئ وهم أصحاب الحق والسداد بأن لا يتدخل فيما لا يعنين ، ولا يدافع عن أحد " أولم ننهَك عن العالمين ؟ ؟ وهذا وهدة السفالة والانحطاط حين يرى الفاجر نفسه على صواب وغيره على خطأ فيعلو عليه ويهدده . - قد يضعف المرء لحظة مهما كان حازماً وحكيماً حين يرى الخطب يشتد عليه " وخلق الإنسان ضعيفاً " فهذا لوط عليه السلام حين رأى من جواب قومه التعنت واندفاعهم إلى ضيوفه ، ولم يستطع ردهم قال : " لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد " فقد خاف على ضيوفه أن يفحش الفسقة فيهم وهو لا يعرف كنههم ، وَمُرَاد لُوط بِالرُّكْنِ الْعَشِيرَة , وَالْمَنَعَة بالكثرة - وهو المهاجر إلى بلدتهم من العراق مع عمه إبراهيم ، وما صاروا قومه إلا لأنه عاش فيهم وتزوج منهم - . وَبَلَغَ بِهِمْ قَبِيح فِعْلهمْ إِلَى قَوْله هَذَا مَعَ عِلْمه بِمَا عِنْد اللَّه تَعَالَى ; فَيُرْوَى أَنَّ الْمَلائِكَة وَجَدَتْ عَلَيْهِ حين قَالَ هَذِهِ الْكَلِمَات , وَقَالُوا بعد أن عرّفوه بانفسهم : إِنَّ رُكْنك لَشَدِيد . وَإنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذاب غَيْر مَرْدُود , وَإِنَّا رُسُل رَبّك ; فَافْتَح الْبَاب وَدَعْنَا وَإِيَّاهُمْ ; فَفَتَحَ الْبَاب فَضَرَبَهُمْ جبْرِيل بِجَنَاحِهِ . وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يَرْحَم اللَّه لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْن شَدِيد " . | |
|