السفير مديرعام المنتدى
الجنس : عدد الرسائل : 2057 العمر : 53 تاريخ الميلاد : 02/01/1971 المهنة : جنسيتك : مصرى الاوسمة : المنتدى : تاريخ التسجيل : 06/02/2009
| موضوع: تأملات تربوية في سورة هود (1) الأربعاء 25 فبراير 2009, 3:27 am | |
| تأملات تربوية في سورة هود (1) الدكتور عثمان قدري مكانسي
سُورَة هُود : مَكِّيَّة إِلَّا الْآيَات 114 - 17 - 12 فَمَدَنِيَّة وَآيَاتهَا 123 نَزَلَتْ بَعْد يُونُس مَكِّيَّة فِي قَوْل الْحَسَن وَعِكْرِمَة وَعَطَاء وَجَابِر . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة :إلا الآية الرابعة عشرة ; وَهِيَ قَوْله تَعَالَى : " وَأَقِمْ الصلاة طَرَفَيْ النَّهَار. وَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ قَالَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : يَا رَسُول اللَّه قَدْ شِبْت. قَالَ :" شَيَّبَتْنِي هُود وَالْوَاقِعَة وَالْمُرْسلاتُ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَإِذَا الشَّمْس كُوِّرَتْ ". وفي حديث آخر رواه سفيان بن وكيع : قَالُوا يَا رَسُول اللَّه نَرَاك قَدْ شِبْت ! قَالَ : ( شَيَّبَتْنِي هُود وَأَخَوَاتهَا ) . فَالْفَزَع يُورِث الشَّيْب وَذَلِكَ أَنَّ الْفَزَع يُذْهِل النَّفْس فَيُنَشِّف رُطُوبَة الْجَسَد , وَتَحْت كُلّ شَعْرَة مَنْبَع , وَمِنْهُ يَعْرَق , فَإِذَا اِنْتَشَفَ الْفَزَع رُطُوبَته يَبِسَتْ الْمَنَابِع فَيَبِسَ الشَّعْر وَابْيَضَّ ; كَمَا تَرَى الزَّرْع الأخْضَر بِسِقَائِهِ , فَإِذَا ذَهَبَ سِقَاؤُهُ يَبِسَ فَابْيَضَّ ; وَإِنَّمَا يَبْيَضّ شَعْر الشَّيْخ لِذَهَابِ رُطُوبَته وَيُبْس جِلْده , فَالنَّفْس تَذْهَل بِوَعِيدِ اللَّه , وَأَهْوَال مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَر عَنْ اللَّه , فَتَذْبُل , وَيُنَشِّف مَاءَهَا ذَلِكَ الْوَعِيدُ وَالْهَوْل الَّذِي جَاءَ بِهِ ; فَمِنْهُ تَشِيب . وَقَالَ اللَّه تَعَالَى : " يَوْمًا يَجْعَل الْوِلْدَان شِيبًا " [ الْمُزَّمِّل : 17 ] فَإِنَّمَا شَابُوا مِنْ الْفَزَع . وَأَمَّا سُورَة " هُود " وقد شيبت هودٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حل بالأمم من عَاجِل بَأْس اللَّه تَعَالَى , فَأَهْل الْيَقِين إِذَا تَلَوْهَا تَرَاءَى عَلَى قُلُوبهمْ مِنْ مُلْكه وَسُلْطَانه قوة ُبطشه بِأَعْدَائِهِ , فَلَوْ مَاتُوا مِنْ الْفَزَع لَحَقَّ لَهُمْ ; وَلَكِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَلْطُف بِهِمْ. وَأَمَّا أَخَوَاتهَا فَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ السُّوَر ; مِثْل " الْحَاقَّة " و " الْمَعَارِج : " و " التَّكْوِير " و " الْقَارِعَة ", فَفِي تلاوة هَذِهِ السُّوَر مَا يَكْشِف لِقُلُوبِ الْعَارِفِينَ سُلْطَانه وَبَطْشه فَتَذْهَل مِنْهُ النُّفُوس , وَتَشِيب مِنْهُ الرُّءُوس . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الَّذِي شَيَّبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سُورَة " هُود " قَوْله في الآية الثانية عشرة منها: " فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْت " فهو أمر بالاستقامة والثبات على ذلك ، ولا يصبر على الالستقامة إلا عظماء الرجال . - وانظر معي إلى الأسلوب التربوي الأول في هذه السورة الذي نجده في الآية الأولى : التعظيم للقرآن ، فهو " كتاب " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، نزل به الروح الأمين بأمر الله تعالى على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم قد " أحكمت آياته " كلّها ، فلا خلل فيها ولا باطل ، نظمت نظماً محكماً في اللوح المحفوظ ، فلا تناقض فيها ولا خطل ، جمعت الأمر والنهي ، فأحكمت المطلوب ، " ثم فُصّلت " بما فيها من الدلائل على وحدانية الله تعالى والنبوة والبعث وما إلى ذلك من الإيمانيات ، وذكرت الوعد والوعيد والثواب والعقاب . فليكن القرآن عظيماً في قلوبنا ، عظيماً في نفوسنا ، عظيماً في أعمالنا فنلتزمه فهماً وعملاً ، فنعظم عند الله تعالى وعند الناس كما كان السلف الصالح رضوان الله عليهم . - أما الأسلوب الثاني فهو التسلسل المنطقي ، فالإحكام والترتيب والتنظيم أولاً ، والتفصيل والتوضيح والبيان ثانياً . .. ولا يكون العمل سليماً وناجحاً إلا بهذين الأمرين . فما المطلوب بعد ذلك يا رب؟ إنه إنه : 1- عبادة الله وحده فهو الخالق البارئ المستحق للعبادة . 2- الإيمان بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً ، فهو البشير النذير. 3- استغفار الله والتوبة إليه والعبودية له وحده . 4- الاعتقاد بيوم القيامة ، والعمل للقاء الله تعالى ، فلا بد منه " إلى الله مرجعكم " فإذا تم هذا كان العيشُ الهانئ في الدنيا " يمتعْكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمّى " والتكريم في الآخرة " ويُؤتِ كل ذي فضل فضله " وإلا كان التهديد والوعيد بعذاب الآخرة الدائم " وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير " . وأسلوب الترغيب والترهيب واضح في تفاعل النفس الإنسانية الواعية مع الأمور . وهذا هو الأسلوب الثالث الذي يدق على الوتر الحساس في الإنسان ويعيش معه في كل آن ... فبعد الحياة حساب ، فإما ثواب وإما عقاب .وما يلتزم الصراط السويّ إلا ذوو الألباب. - الإنكار والصلف والعتو سبيل الجاهلين الذي يظلمون أنفسهم أولاً وآخراً ، 1- إنهم ينكرون البعث ويسخرون منه ابتداءً " ولئن قلتَ : إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا : إن هذا إلا سحر مبين ! " 2- يتحدّون بكبرياء كل تهديد ووعيد وينكرون العذاب الذي ينتظرهم هازئين " ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ، ليقولنّ : ما يحبسه!! " . 3- الإنسان سريع اليأس إن لم ينل بغيته ، أو نزعت منه النعمة . والبعدُ عن الصبر مقتل يقع فيه الكثرة الكاثرة – فالإنسان خلق من عجل – ولا بد من التحلي بالصبر وعمل الصالحات كي يزداد المؤمن إيماناً ، ويتجاوز ضعفه . وعلى رأس هذه السمات : اللجوء إلى الله والاتكال عليه :" ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إن ليؤوس كفور ، ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن : ذهب السيئات عني ، إنه لفرح فخور" فتراه ينسى مشاقه ويرفع رأسه خيلاء ، وينسب الفضل لنفسه " لفرحٌ فخور " وينسى الخالق المنعم ، ويتجبر على أمثاله من البشر ، وكأنه من طينة أخرى غير طينتهم . " إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات ، أولئك لهم مغفرة وأجر كبير"... إن الإنسان العاقل من يعرف قدر نفسه، ويأرز إلى الحق، ويقر به . وهذا هو التأمل الرابع الذي ينبغي أن نقف عند نتائجه وآثاره وقوف المتأملين المتدبرين ليكونوا من المفلحين . إن هؤلاء الصابرين العاملين خيراً نماذجُ راقية من البشر ، وجودهم نادر ندرة َالمعدن النفيس بين المعادن الأخرى - أما التامل الخامس فوقفة متأنية أمام الآية الكريمة " فلعلك تاركٌ بعضَ ما يوحى إليك ، وضائق به صدرك أن يقولوا : لولا أُنزل عليه كنز أو جاء معه ملَك! إنما أنت نذير ، والله على كل شيء وكيل " .. ترينا الداعية يجد في سبيل دعوته الكثير من المتاعب ، والكثير من السخرية والاستهزاء ، والكثير من المثبطات فهل تفتر همته ويتكاسل عن أدائها ؟! وهل يتنازل عن بعض ما فيها ويتخفف منه لإرضاء أهل الأمزجة والأهواء ؟! وهل تضيق نفسه فيقول : لِمَ أتحمل هذا العبء وأسير عكس التيار ؟! .. عقبات كثيرة ومعوقات عديدة تعترض مسيرة الدعوة والدعاة . فما ينبغي لحامل الدعوة المؤمن بها أن يعتريه ضعف ، أو تضيق نفسه بشرف حملها والنفحِ عنها وبذلِ ما يستطيع في سبيل الوصول إلى نجاحها. ..عليه فقط أن يبذل جهده وأن يخلص نيته ،فهوالأداة البشرية التي اختارها الله تعالى للتعامل مع أمثاله من الناس ، أما الهداية وقلوب البشر فبيد الله يهديها إليه سبحانه إن شاء ، ويضلها حين تستكبر وتجحد وتُعرض عن منهجـه القويـم . " والله على كل شيء وكيل " . - والتأمل السادس يتجلى في نفسية الكفارالواحدة التي لا تتغير في الأزمنة والأمكنة وإن تغيرت الأزمنة والأمكنة نفسها... إن أول الأنبياء نوح ، وآخرهم محمد عليهم الصلاة والسلام يلقـَون من المشركين " سيمفونية واحدة " هي التكذيب بالأنبياء وما جاءوا به ، فهذا الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام يتهمه كفار العرب ومشركوهم أنه افترى القرآن الكريم ، مع أن دعواهم ساقطة من أساسها . فهم قومه ولغته لغتهم ، فلو كان القرآن تأليفه لاستطاعوا المجيء بمثله ، ولكنهم لن يستطيعوا ذلك ، ولن يستطيعوا المجيء بعشر سور مثله ، ولا بسورة واحدة ، وإن جهدوا ، وإذا عجزوا عن ذلك فالقرآن –إذاً- من عند الله تعالى" فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أُنزل بعلم الله ، وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون ؟ ..." .. نعم يا رب : نحن بفضلك مسلمون . ..وهذا النبي الكريم نوح يلقى من قومه اتهاماً بأنه يفتري على الله هذا الدين " أم يقولون افتراه ؟! قل : إن افتريته فعليّ إجرامي ، وأنا بريء مما تجرمون " .. وهذا الاتهام لأول الأنبياء وآخرهم يندرج تحته وصم الكفار للأنبياء جميعاً بهذه الفرية ... وهذا هود عليه السلام الذي سميت السورة باسمه يرد على الكفار بأنه ليس مفترياً بل إنهمم هم المفترون " ... إن أنتم إلا مفترون.." . وقوم صالح يعزفون اللحن التكفيريّ نفسه فيقولون : " وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب " . فهم بهذا يتهمونه بالافتراء ... وهؤلاء قوم لوط لما دعاهم إلى العفة ، والزواج الحلال من الفتيات الطاهرات كشفوا جانب الفجور، وأظهروا المستور دون رادع من أخلاق " قالو : لقد علمت مالنا في بناتك من حق ، وإنك لتعلم ما نريد " وتراهم يرفضون مع شعيب التعامل بالمال الحلال ، ولا ينتهون عن تطفيف الكيل والميزان ، ويهددونه بالقتل لولا رهطه الذين يمنعونه ...
| |
|