امرأة ليست كسائر الرجال
عندما أقول امرأة ليست كسائر الرجال لا أعني استثناء مغلوطا ؛ حيث إن المرأة من غير جنس الرجال وبالتالي لا يصح أن تدخل في أحكامهم ، وإنما أعني أن هذا المراة فاضلت النساء وتجاوزتهن لتفضل الرجال أيضا في صفات هم أجدر بها ..
تلكم المرأة هي أم حكيم زوج عكرمة بن أبي سفيان التي تصألت بها مكارم الأخلاق والفضيلة لدرجة أنها كانت تتنقب ( تستر وجهها ) في الجاهلية وهي على غير دين لتحفظ جمالها لزوجها ؛ فلا يتمتع بالنظر إليه غيره ، ضنت بنفسها على غيره حتى فيما أحله الله ، فقد أسلمت بعد فتح مكة وفر زوجها وتركها ، وكان ذلك كفيل بأن تتركه إلى غيره ؛ لأنها صارت محرمة عليه بإسلامها وفراره على الكفر ؛ لكنها أتت رسول لله تستعطفه وهي تعلم كم كان بين زوجها وبين رسول الله من عداوة ، تذكره الرحم وهي تدري أن زوجها طالما سعى في قطعها ، تظهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما تكنه لزوجها من احترام وتقدير ؛ فيكبر فيها تلك الهمة ؛ فينسى ماضي عكرمة ، ويُعلم من حوله بالعفو والصفح عنه ..
لا تجد من الرجال من أهله وأصحابه من يتحمل وعثاء السفر إلى بلاد اليمن ـ حيث فر ـ ليبلغه بعفو رسول الله عنه فتسارع هي إليه متحملة في سبيله المتاعب ومعرضة نفسها للمخاطر ، ينأى عنها عند رؤيتها فيهمُّ بالشرود ولكن بعطفها وتلطفها تظل به حتى تهدأ من روعه وتسكن من اضطرابه .
يستشهد بعد ذلك فيسبقها إلى الجنة فيأتي خالد بن سعيد بن العاص بعد انتهاء عدتها ليخلفه عليها فترضى بالخطبة لكنه لما هم بالدخول بها قالت : كيف وجموع الروم المجتمعة للمسلمين لم تفرق أو تهزم بعد .
وما دفعها إلى ذلك ضعف في العاطفة ، أو تبلد في الشعور ، أو انعدام في الإحساس ، وإنما انشغال بأمر الإسلام والمسلمين انشغالا أنساها كل ذك ، فلم تعد تهتم إلا بكيفية الخلاص من جموع الروم ..
تدور رحى الحرب في أجنادين قرب الرملة بفلسطين فيأتي إليها خالد بن سعيد زوجها الجديد ويقول : إني أريد أن أعرس بك الليلة لأني أحس أن أجلي قد حان ، وما أراني إلا صريعا في الغد فتأخذها الشفقة عليه كما أشفقت على عكرمة من قبل ، وترضى له أن يدخل بها ، والإمكانيات في تلك الأوضاع متواضعة للغاية ، فلا فرش ولانمارق ، ولا سرر ولا أرائك ، وإنما هي خيمة يستتران بها ، ولكن أم حكيم لا تعجز حيلة ، ولا تقصر في واجب زوجها فتتزين له وتتعطر بما تيسر لها ، فيخرج خالد سعيدا ويدعو من استطاع من المجاهدين حوله إلى وليمة طعام فيقبلون إليه مهئئين ..
وبعد ليلة هادئة قضاها خالد مع زوجته يخرج في الصباح إلى صفوف القتال مبارزا مرة ومهاجما أخرى حتى إذا اقترب المساء سقط شهيدا ، وقد صدق إحساسه المرهف ، وما إن تعلم باستشهاده أم حكيم حتى تسارع بحمل عمود من أعمدة الخيمة التي عرس بها بالأمس ، وتندفع إلى صفوف العدو بشجاعة لا تقل عن شجاعة زوجيها( عكرمة ثم خالد ) وعليها أثر الخلوق التي حرصت على أن تعدها لزوجه ليلة زفافه ، كما يقول الرواة ، وتقتل بعمودها هذا سبعة من جنود الروم وفرسانها ثأرا لزوجيها ونصرة لدين الله سبحانه وتعالى