عند الحيوانات
الإنسان هو المخلوق الأكرم مكانة والأكثر تفضيلا على كثير من المخلوقات
قال تعالى
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ
وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاًِ
أما عالم الحيوان فهو عالم ملئ بالأسرار
فقد يظن البعض أن أي ذكر قد ينزو علي أي أنثي تقع في طريقه
أو أن أي أنثي قد تقبل بأي ذكر تلقاه
ولكن الأمر ليس كذلك
فالحيوانات أمم مثلنا
وعندها العفة والحياء أيضا
فطائر البطريق إذا أراد التودد إلى أنثاه، يختار حصاة يتقدم بها في زهو وحنان، ويضعها تحت قدميها، فإذا التقطتها كان ذلك دليل قبولها زوجاً لها، فيتزوجان وإذا لم يمس وتراً في فوأدها، تركت الحصاة ولم تمسها
وعندئذ يعود فيلتقط حصاه وينصرف بها إلى أخرى
وأما في الغيرة
فقد وجد أن ذكور الإبل تتغير سلوكياتها في موسم التناسل بحيث لا تسمح لأي كان أن يقترب من قطيع إناثها
فترى الذكر في حالة الهياج وقد اخرج كيس منفوخ من جانب الفم ويصاحب ظهور الكيس صوت مزعج يرهب به من يسمعه ثم يخرج إفرازات من غدد قرب الأذنين ويحك بها الأشياء في منطقة الحياض الخاصة به, فإذا ما اشتمها حيوان غريب أدرك قدر الخطر المحدق به فيولي مبتعدا عن هذه المنطقة
وتبلغ الغيرة مداها عند ذكر الشمبانزي فنجده غيورا جداً على شريكة حياته, فعلى الرغم من أن الشمبانزي حيوان مسالم إلا انه يصبح عدوانياً عندما يشتبه في أن شريكة حياته غير وفية أو عندما يجدها ترحب بعرض ذكر أخر فيصل الأمر لكثير منهم , إما أن يشوه شريكة حياته أو يخرجها من حياته عند الاشتباه في خيانتها
ولا تقتصر قضية الغيرة علي الذكور فقط , فقد وجد أن أنثي البط تغار علي زوجها , فتدفعه لان يعرب لها بالوفاء عندما تريد أنثي أخري أن تتسلل إلي عش الزوجية السعيد فيقوم الذكر بفرد جناحية وفرد عنقه وطأطأة رأسه مهرولا وراء غريمة أنثاه فيدفعها ويطردها بعيدا عن حياض الزوجية الهانيء معلنا عن عفته ووفائه لها
وإذا كانت بعض الذكور في عالم الحيوان لا تقبل بغير الزوجة فان بعض الإناث لا تقبل بغير الزوج أيضا, فقد وجد أن بعض إناث الحمام لا تقبل بغير زوجها وان راودها زوج آخر عن نفسها فإنها تفر منه وتبتعد عنه, بل قد يدفعها الوفاء لزوجها في بعض الأحيان أن لا تقبل زوجا آخر حتى بعد مماته
وقد تجد بعض الحيوانات وقد تزيت بزي الحياء الذي قد يخلعه كثير من بني آدم إثناء عملية الالتقاء بين الزوجين فالإبل في البرية غالبا ما تقوم بهذه العملية مستترة عن أعين الآخرين , كما وجد أن كلا من ذكر وأنثي الحمام يقومان بخفض ذيليهما وجره علي الأرض بعد إتمام عملية الجماع إعرابا عن حالة الخجل والحياء التي تعتريهم بعدها
وحتى لا تختلط الأنساب
فان الله فطر ذكور بعض الحيوانات أن تلجأ إلي حيل عجيبة تكرّس فيها الكثير من الجهد والوقت للاطمئنان على أن تكون هي الآباء للأجيال القادمة وليس غيرها فمثلا ذباب الموز فان سائله المنوي يحوي مادة سامة ذات تأثير بطئ إلى درجة أنه يقضي على الأنثى تماماً ولكن بعد وضع البيض الملقح، وبالتالي يصبح الذكر القاتل هو الأول والأخير في حياتها
وفي أنواع عديدة من الذباب والبعوض يمتلئ السائل المنوي لدى الذكور بخليط هرموني يجعل الأنثى عازفة عن المعاشرة بعد ذلك كليا
وذكر الفئران المنزلية يحتوي سائله المنوي على مادة تحوله إلى مادة صلبة تغلق الفتحة التناسلية عند الأنثى لفترة تكفي لتلقيح البويضة عند الإناث
وهكذا نجد أن الله سبحانه وتعالى قد أقام الحجة علي بني ادم بهذا السلوك الذي ينم عن العفة والحياء في بعض مخلوقاته والتي هي دون الإنسان في القدر والمكانة فأولى بالإنسان أن يحيا بمعالم ومعاني العفة والحياء ولا يسبقه في ذلك أي كان حتى يظل محافظا لصدارته فوق كثير من خلق الله , فيحظي بحياة نقية وطاهرة ويبلغ مرضاة ربه الذي أمره بذلك وطلبه منه
قال تعالى
مَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ